الأمية الثقافية أخطر بكثير من الأمية التعليمية

ذ محمد زمران

Saturday, September 08, 2007

تمرالأيام،  ويعود التاريخ ليفرض علينا الكلام في الموضوع، التاريخ هو ثامن شتنبر، والموضوع اليوم العالمي لمحو الأمية .. هل نحن من أصحاب المناسبات ..؟ سؤال يؤرقني منذ أمد بعيد،  قد يكون ذلك لابأس فيه،  فما دمنا لانملك غيرالكلام لاضيراذا انتظرنا المناسبات لنحت الكلمات و بناء المعاني .. لأننا شعب أمي  ومع ذلك لايخجلنا الاعتزاز بأميتنا ..!

حينما نتكلم عن الأمية  ينصرف الذهن الى نوع  واحد من الأمية وهو الأمية التعليمية، أي الجهل بمباديء القراءة  والكتابة، وهذا النوع هوالذي يخضع للاحصاءات،  في حين أن هناك نوعا من الأمية أكثر خطورة  من النوع الأول وهو الأمية الثقافية،  فكم من متعلم حائزعلى الشهادات العليا وهو في نفس الوقت يفتقر للوعي بالواقع وتعوزه النظرة للحياة .. و في هذا المقال سأتطرق لموضوع الأمية التعليمية آملا ملامسة قضية الأمية الثقافية في مقال قادم بحول اللـه.

دعني عزيزي القاريء أن أقول لك أن محوالأمية قضية مركزية وحلها سياسي،  فماذا اذن فعل ساستنا من أجل رفع كلكل الظلام المعرفي المخيم في الأجواء منذ أن فتحنا أعيننا عن السياية  في هذا البلد العظيم ..؟  الأرقام تقول أن شيئا لم يتحقق في هذا الاطار، فما زال معدل الأمية يناطح أعلى المعدلات، وذلك في المدن كما في القرى،  بالنسبة للرجال  والنساء على حد السواء، هناك فقط  مبادرات ارتجالية،  حملات موسمية كحملات الانتخابات التي تختفي كلما دقت الساعة السابعة مساء  من يوم الاقتراع، مخططات لم تستمر ومحاولات تسعى لتحقيق غايات سياسية واجتماعية  واقتصادية، أو بصريح العبارة منافع ذاتية .. تلك هي المظاهرالتي طبعت مسيرة محو الأمية بالمغرب منذ بزوغ هلالها .. لجأت دول - حيث الارادة السياسية  والرغبة الحقيقية في محو الأمية - الى ابتكار وسائل عملية وفعالة في مكافحة الأمية، فلم يبق محو الأمية مقتصرا على المدرسة، بل انتقل الفصل الدراسي الى المذياع وشاشات التلفزات  وأعمدة الصحف، وأصبح المواطن في تلك الدول يجد الفرصة لمطالعة عشرين كتابا  وأكثر، مقابل كتاب واحد لكل قاريء بالمغرب  وقلما يتحقق ذلك .. هم يقدمون الكتاب للمواطن  كرغيف الخبز بأرخص الأسعار،  ونحن نعتبرالكتاب مادة تجارية ووسيلة لجمع المال .. هم يفسحون المجال لحرية التعبير، ونحن نسعى الى تراجع حرية الصحافة ونخيل الجرائد قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، وتجدر الاشارة هنا الى أن عدد الكتب التي تطبع خلال العام الواحد بالجارة اسبانيا ربما  يفوق بكثيرعدد ما طبع باللغة العربية منذ زمن العصر العباسي حتى اليوم، ان تعميم التعليم عامل مهم في تحقيق التنمية وارساء قواعد الديمقراطية الحقة، اذ كيف سيمارس المواطنون حقوقهم الانتخابية عن وعي ومعرفة  اذا كانت نسبة كبيرة منهم  لاتستطيع توقيع  بطاقة الناخب،  ولا فك الخط بالمرة،  ان غياب الارادة السياسية في قضية محو الأمية  تدل أن بعض الحكومات تخشى انتشار التعليم، لأن ذلك سيؤدي الى وعي عام  يحفزعلى المطالبة بالحقوق.

سئل أحد السياسيين عن البرامج التي اتخذتها حكومته لمحو الأمية فأجاب : "محاربة الأمية هي مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني .." ثم راح المسكين  يختبيء في المجد الغابر : " من السمات العظيمة للحضارة الاسلامية  هي اهتمامها الشديد بالعلم  والأدب،  ففي احدى المعارك التي خاضتها الدولة الاسلامية مع الدول البزنطية استطاع المسلمون الانتصار على الأعداء، وتم  أسرعدد كبيرمنهم، فتمت مبادلة الأسرى البزنطيين بعدد من كتب الفلسفة  وكتب من التراث الاغريقي العتيد .. وكان المأمون يستقدم رجال العلم  والمعرفة الى بغداد دون نظر الى جنسيتهم ودياناتهم، فمنهم المسيحيون  واليهود  والمجوس، ولم يكن غريبا بعد ذلك أن تصبح اللغة العربية لغة العلم.

نعـــم أيها العبقري الجهبذ .. ذلك ليس بغريب .. الغريب هو أن تسأل عما فعلت أنت  وما فعلته حكومتك وتجيب بما فعل الأجداد .. انها فعلا الأمية الثقافية التي وعدتك بها عزيزي القاريء ..!

منقول من هسبريس