أين أخطأ القرضاوي؟

Publié le par د.عمرو الشوبكى


تصاعدت حدة التعليقات علي تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي، التي وصف فيها الشيعة بالمبتدعين، وحذر «أهل السنة» من خطرهم، رافضا أولاً سبَّهم للصحابة، وثانياً ما سماه غزو المجتمع السني بنشر المذهب الشيعي، عن طريق رصد أموال ضخمة وكوادر مدربة، معتبرا أنه ليس لدي السنة أي حصانة ثقافية ضد هذا الغزو، وأن علماء السنة لم يسلحوهم بأي ثقافة واقية، «لأننا نهرب عادة من الكلام في هذه القضايا مع وعينا بها خوفا من إثارة الفتنة وسعيا إلي وحدة الأمة».
المؤكد أن إيران دولة ممانعة جادة تتحرك بذكاء من أجل المحافظة عن مصالحها ودورها الإقليمي، و تمتلك نظاماً سياسياً كفؤاً فيه هامش ديمقراطي حقيقي، في مقابله فشل عربي في السياسة والدين.
ولعل هذا ما غاب عن الشيخ القرضاوي، حين وقف عند نظرة دينية مغلقة لما سماه «اختراق إيراني شيعي للمجتمعات العربية»، دون أن يشير بنفس الوضوح إلي أن هذا راجع للفشل الداخلي العربي، الذي لا يمكن اعتباره «فشل سني»، إنما هو بالأساس فشل عربي.
 فهناك بلدان «سُنية» - مثل تركيا وماليزيا - حققت إنجازات سياسية واقتصادية مبهرة ولا تناقش فيها قضايا الخلاف السني الشيعي مثلما يحدث في العالم العربي، لأن لديها ما تتحدث فيه من إنجازات في مقابل ما نخجل منه عربيا.
ولعل القرضاوي نفسه واحد من ضحايا هذا الفشل، فرغم أنه أحد كبار علماء المسلمين في القرن العشرين، ومعروف عنه وسطيته واعتداله فإنه  استُبعد (كمحمد الغزالي) من قيادة المؤسسة الدينية الأكبر في العالم العربي (أي الأزهر) التي تركت لموظفين، وغاب أو غُيب عنها علماء بوزن
الشيخ محمود شلتوت (داعي التقريب بين المذاهب) .
والمؤكد أن الانهيار الذي أصاب المؤسسات الدينية السُنية في العالم العربي كان بفعل النظم السياسية التي أنهت دورها، وإذا كنا نعيش في ظل نظم لديها حد أدني من الكفاءة، لكانت - بالتأكيد - أفرزت علماء «سنة» علي شاكلتها، قادرين علي أن يؤثروا في الناس، ولديهم مصداقية وقبول بين معتدلي السنة والشيعة معا.
ومع أي مقارنة سريعة بين حال علماء الشيعة وأحوال علماء السنة سنكتشف أن استقلالية علماء الشيعة عن السلطة السياسية واجتهاداتهم في كثير من القضايا المعاصرة جعلتهم، في كثير من الأحيان، مصدر جاذبية لكثير من المواطنين العرب، خاصة حين يقارنون بموظفي المؤسسات الدينية الرسمية في العالم العربي، الذين يحصلون علي مناصبهم بقرارات من الحاكم، ورواتبهم من الدولة، فاجتهدوا قدر استطاعتهم من أجل ألا يغضبوا ولي الأمر، وسمعنا جميعا
فتاوي مخجلة من «كبار» !! رجال الدين في مصر.
وعليه فقبل الحديث عن «اختراقات شيعية» لا بد أن نعرف أسباب انهيارات السنة العرب، وأن
الخوف من الآخر وتصوير المسلم الشيعي علي أنه يمثل تهديدا لنا هو حديث خطر لأنه من جهة لا يعترف بحجم التدهور الذي أصاب منطقتنا العربية ذات الأغلبية السنية, كما أنه من ناحية أخري لا يساعد علي تقديم أي نقد أو مراجعة للخطاب الديني السني الجامد لكي يجدد نفسه.
 وأخيرا فإن هذا المفهوم يطرح قراءة «أمنية» للعلاقة فيما بين المسلمين السنة والشيعة، ستمتد حتما إلي التعامل مع أبناء الديانات الأخري من غير المسلمين في ظل واقع مليء بالاحتقانات، ومجتمعات تتعثر في مسيرة بناء دولة المواطنة والقانون، التي لا تميز بين مواطنيها علي أساس العرق والدين واللون، والآن أصبحنا مضطرين أن نضيف المذهب.
  أما العالم العربي فلن يواجه أي «اختراق» بقرارات أمنية، إنما بوطن حر وديمقراطي قادر علي أن يستوعب الجميع، مسلمين «سنة وشيعة»، ومسيحيين , وكل من يعيش علي هذه الأرض كمواطن عزيز كريم.
وهناك رب العباد سيحاسب الجميع يوم الحساب.

 

 

 

Publié dans Actualité

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article