حوار بين مغربية مسلمة ويابانية بوذية

Publié le par محمد الساسي

محمد الساسي: حوار بين مغربية مسلمة ويابانية بوذية

طلب أستاذ مادة (حقوق الإنسان) من إحدى طالباته أن تتلو بصوت عال نص المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 18 من الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية.
المادة المشار إليها في الإعلان العالمي، تقضي بأن «لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة». والمادة المشار إليها في الاتفاقية الدولية تقضي بأن «لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير والديانة. ويشمل هذا الحق حريته في الانتماء إلى أحد الأديان أو العقائد باختياره وفي أن يعبر، منفردا أو مع آخرين بشكل علني أو غير علني، عن ديانته أو عقيدته، سواء كان ذلك عن طريق العبادة أو التقيد أو الممارسة أو التعليم...». واستفسر الأستاذ طالبته عن رأيها في مضمون المادتين، فصرحت باتفاقها مع هذا المضمون، وسألها عما إذا كان دينها الإسلام يسمح لها بعد التخرج بالالتحاق مثلا بالجامعة اليابانية لاستكمال تكوينها، فردت الطالبة بأن «العلم يُطلب ولو في الصين»، ثم توالى الحوار بالشكل التالي :
- هل ستباشرين وأنت باليابان ممارسة شعائر الإسلام من صلاة وصيام... الخ.
< طبعا، لأن المسلم ملزم بتلك الشعائر أينما حل وارتحل.
- بعد إتقانك للغة اليابانية وتعرفك على زملاء في هذا البلد، من ذوي الديانة البوذية، هل تعتبرين أن من واجبك التعريف بالدين الإسلامي وتمكين هؤلاء الزملاء من إدراك مزايا الإسلام والاطلاع على أحكامه وفروضه؟
< هذا من حقي، ولا إشكال فيه، وهو مجرد تطبيق لمضمون المادتين اللتين قمت بتلاوتهما.
- وإذا أسلم على يدك عدد من الشباب البوذيين، وطلب أحدهم يدك، ووجدته صالحا لكي يكون لك زوجا، هل هناك مانع من عقد قرانكما؟
< إذا تفاهمنا، ووجد كل منا لدى الآخر ما ترتاح إليه النفس والفؤاد وما يوفر الشروط الضرورية لبناء أسرة مستقرة، فلا أرى أي وجه للاعتراض على هذا الزواج.
- وبعد أن طال بك المقام وتكاثر عدد المسلمين في منطقة تواجدك باليابان، واتسع نطاق نشاطهم الدعوي، وأصبحتم في حاجة إلى بناء مسجد، وامتلاك الوسائل الضرورية لإشعاع الإسلام وإيصال رسالته إلى أكبر عدد من اليابانيين بأسلوب ولغة ميسرتين لهم، فهل من الجائز أن تطالبوا بحقكم في الحصول على الوسائل المذكورة، وبناء مسجد ومدرسة للتعليم الإسلامي وغير ذلك من المؤسسات الإسلامية؟
< إذا مانعت سلطات البلد في تمكيننا من ذلك، تكون قد خالفت حقوق الإنسان يا أستاذ، ووضعت نفسها في تناقض مع المواثيق الدولية لتلك الحقوق، وهذا موقف غير جدير بدولة متمدنة في القرن الواحد والعشرين.
- إذن أنت تقدرين صواب المرجعية الكونية لحقوق الإنسان في التنصيص على الحرية الدينية بما تعنيه هذه الحرية من أهلية الممارسة والدعاية والاختيار؟
< بل إنني مستعدة للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل تأمين حرية الدفاع عن ديني الحنيف ونشره وكفالة سبل ترسيخ بنيانه وحماية ممارسة كافة الواجبات الدينية.
- هذا شيء جميل، والآن أود أن أسألك، لو أن فتاة يابانية بوذية في مثل سنك وطموحك وحيويتك واعتزازك بدينك، تريد أن تنتقل إلى الإقامة بالمغرب، وتود أن تعرف رأيك في رغبتها في ممارسة طقوسها البوذية وبناء معبد لها ببلدنا وتوزيع منشورات على المسلمين للتعريف بالبوذية ومزاياها، وبعبارة أخرى، هل أنت على استعداد للتسليم لها بحق أن تصنع في بلدك نفس الشيء الذي قدرت أن من حقك أن تصنعيه في بلدها؟
أطرقت الطالبة لبعض الوقت وطمرت رأسها خلف يديها المتشابكتين، ثم نظرت في الفراغ قائلة: لم يسبق لي أن طرحت هذا السؤال على نفسي يا أستاذ! إن موقف الطالبة المذكورة هو تعبير عن اعتيادنا مخاطبة الآخر من داخل مرجعيتنا وعدم التسليم أحيانا بوجود مساحة مشتركة بيننا وبينه.
نحتج بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان عندما تخدم مصالحنا ونتحرر منها عندما تخدم الآخر أحيانا بدعوى تشبثنا بخصوصيتنا. وهذا أيضا كيل بمكيالين وممارسة للإقصاء في حق الآخر. فإذا كنا نعتز بديننا ونعتبره أحسن الأديان، فإن علينا أن نسمح للآخرين بالاعتزاز بديانتهم وأن نسلم بحقهم هم كذلك في اعتبارها أحسن الديانات.
إن المادة 18 من الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، في البند الثالث منها، تسمح في أحوال استثنائية بأن ينتصب «النظام العام» أو «السلامة العامة» كحاجز «مشروع» في ممارسة الحرية الدينية. وهكذا فقد ورد بالبند المشار إليه: «تخضع حرية الفرد في التعبير عن ديانته أو معتقداته فقط للقيود المنصوص عليها في القانون والتي تستوجبها السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية».
هناك اليوم «عندنا» حديث متنام عن وتيرة ازدياد أتباع الديانة الإسلامية، نطلقه بانتشاء وتهليل. ولا شك أن تصاعد أعداد المسلمين في العالم يمثل مصدرا مشروعا للفخر لدى كل مسلم، ومدعاة للغبطة والسرور. وهناك أوساط دينية أو محافظة في العالم تحذر من مخاطر ذلك التصاعد. ورغم صعوبة التوصل إلى أرقام دقيقة، فيمكن القول بأن عدة مؤشرات تقر حقيقة النمو المتزايد للمسلمين.
فأدون فاليط المختص في تاريخ الأديان يخلص إلى أن عدد المسلمين يتزايد بنسبة أكبر قليلا من نسبة تزايد سكان العالم، والأرقام تعطينا صورة إجمالية للمسألة، وهي تكرس اتجاها قائما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية .
ويحرص جزء كبير من الصحافة الوطنية في المغرب على إبراز معطى تقدم الأرقام المتعلقة بالمسلمين بحماس كبير باعتباره ظاهرة إيجابية، وهذا صحيح تماما، فالتجديد مثلا تشير حسب دراسة لوزارة الداخلية الفرنسية إلى أن «الإسلام ينتشر بسرعة كبيرة في البلاد ويعد الدين الثاني بعد النصرانية، وأن 3600 شخص يعتنقون الإسلام سنويا في فرنسا (..) وأن معظم شباب المسلمين الفرنسيين متدينون جدا، وهو ما يساعد على انتشار الإسلام بشكل كبير في فرنسا).
وهناك من يعتبر أن عدد المسلمين إذا كان عام 1900 يمثل أقل من نصف عدد المسيحيين، فإن عام 2025 سيشهد تجاوز عدد المسلمين لعدد المسيحيين.
وحسب موسوعة 2004
le Quid، فإن عدد المسلمين في فاتح يوليوز 2001 هو 1 207 148 000 فرد (83% منهم سنة و16% شيعة)، ويتوزعون جغرافيا إلى إفريقيا : 000 556 333 مسلم، وأمريكا الشمالية : 000 4518، وأمريكا اللاتينية : 000 1702، وآسيا : 000 341 845، وأوروبا : 000 724 31.
وحسب جريدة التجديد، فإن «كبير أساقفة النمسا الكاردينال شونبورن أكد على حق المسلمين في بناء مساجد لهم لأداء شعائرهم الدينية، منتقدا بشدة الدعوات التي أطلقتها بعض الأحزاب المتطرفة إلى اعتماد تشريع يحظر بناء المساجد في عموم النمسا (..) يذكر أن حزب الأحرار اليميني المتطرف شن قبل بضعة أسابيع حملة مركزة ضد الإسلام والمسلمين، وطالب الحكومة بمنع بناء المساجد ووضع حد لما أطلقوا عليه «أسلمة النمسا» 20-32 مارس 2008 ع 1853- ص14.
إذن، رغم 11 شتنبر ورغم «الإرهاب» ورغم العولمة، ورغم الحملات المشنونة على الإسلام، فهو يتقدم بإيقاع يسبق به الأديان الأخرى. وقد يكون لذلك علاقة بكون المسلمين يشخصون صورة ضحايا النظام العالمي الجديد أكثر من غيرهم ويعانون من الظلم أكثر من غيرهم، أو بالتطور الديمغرافي السريع في المجتمعات الإسلامية، أو بحماس وفعالية المسلمين في التعريف بديانتهم والذود عن حياضها والدفاع عنها، أو بظاهرة التدين المتصاعد لدى الأجيال الجديدة من المسلمين، أو بكثافة الهياكل المؤطرة للعمل الديني والدعوي، أو «بإعادة» اكتشاف الآخرين لعظمة هذه الديانة وسحرها الخاص، أو بتأثير الهجرة الكثيفة من العالم الإسلامي إلى خارجه... الخ، إلا أن هناك عاملا لا يتم الالتفات إليه عادة، وقد يكون له ربما دور أيضا في التقدم العددي للإسلام، وهو أن الديانة الإسلامية تستفيد من حق التعريف بها والدعوة إليها في البلدان الإسلامية وفي البلدان غير الإسلامية عموما، بينما الديانات الأخرى ليس لها حق الدعاية لنفسها في الكثير من البلدان الإسلامية.
لقد فتحت العديد من الصحف عندنا صفحاتها لنشر تقارير عن انتعاش مخططات التنصير في بلادنا، وسلطت الأضواء على اللقاء الذي سينعقد في 18 و19 شتنبر 2008 بسياتيل في إطار السنة الدولية للصلاة من أجل المغرب، ومن أجل مناقشة «فرص العمل التنصيري بالمغرب وتقييم الجهود المبذولة من قبل المسيحيين المغاربة والعمل من أجل مد شبكات تنصيرية في مختلف مناطق المغرب. وهناك من اهتم برصد الأساليب الجديدة التي يلجأ إليها المبشرون بالمغرب، مثل تحوير كلمات أغاني شعبية مغربية كالصينية وتحويلها إلى أغان للدعاية للمسيحية، وتم التنبيه إلى أن «تقارير متقاربة تشير إلى أن عدد المنصرين الأوروبيين بالمغرب يقدر بـ800، وأن قرابة 1000 مغربي قد اعتنقوا المسيحية عام 2004 حسب إحصائيات غير رسمية».
وإذا كان من المنطقي والمقبول أن نبتهج لتزايد نسبة المسلمين في العالم، وأن نصر على مضاعفة جهود ترسيخ الإسلام في البلدان ذات الأغلبية غير المسلمة، وتمكينه من وسائل الحياة العلنية والإشعاع، وإذا كان من المفيد أيضا أن نتتبع نشاط الحركات التنصيرية في بلادنا ونواجهها، فإن وجه الشذوذ في الأمر، هو أن نلجأ في المواجهة إلى اعتبار تلك الحركات «خارج القانون والشرعية» وإحالة المشاركين فيها على المحاكم والسجون، وتشغيل آلة الحظر والزجر. ففي ندوة نظمها المجلس العلمي المحلي بفاس في موضوع «صيانة الثوابت الدينية والوطنية في مواجهة التنصير»، دعا البعض صراحة إلى «تطبيق فصول القانون الجنائي التي تنص على معاقبة أي شخص يقوم بزعزعة عقيدة المسلمين، منصرا كان، أو منتصرا».
صحيح أن المشرع المغربي، ينص على عقوبة الحبس من 6 أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، في المادة 220 من القانون الجنائي، لكل من «استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم، ويجوز في حالة الحكم بالمؤاخذة أن يحكم بإغلاق المؤسسة التي استغلت لهذا الغرض، وذلك إما بصفة نهائية أو لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات». ولكننا عندما نختار أسلوب العقاب في حق «المنصر» و«المتنصر» ومنع أي نشاط دعائي لديانة أخرى على أرضنا، ونعتبر ذلك النشاط اعتداء علينا، فإننا نضع أنفسنا مباشرة في تناقض مع شعار المشروع الديمقراطي الحداثي الذي يرفع رسميا، ومع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ومع أساس المعاملة بالمثل الذي تبنى عليه العلاقات بين المجتمعات المتحضرة واحترام حقوق كافة الأديان وكفالة فرص متكافئة لكل منها.
إن تطلعنا إلى المزيد من نشر رسالة الإسلام في كافة الديار وبين أبناء المجتمعات الأخرى وممارسة حريتنا الدينية كاملة، يجب أن يقابل منطقيا برفض اعتماد نصوص عتيقة تقيد الحرية الدينية للآخرين، وتظهرنا في صورة المجتمعات المنغلقة والمتشنجة التي تحل لنفسها ما تحرمه على الغير. كما أن مثل تلك النصوص تمنح شرعية للموقف اللامنطقي لبعض الحركات الإسلامية التي تعلن أنها تقبل بقواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان إلا ما كان منها متعارضا مع خصوصيتنا وثوابتنا، وتعتبر تبعا لذلك أن ممارسة الآخرين في بعض مجتمعاتنا لنفس الحرية الدينية التي نمارسها في مجتمعاتهم تتعارض مع تلك الثوابت وتلك الخصوصية! وهذا الموقف يلتقي طبعا مع نظرة اليمين المتطرف في المجتمعات الغربية الذي يدعو هو الآخر إلى تلجيم بعض أوجه النشاط الإسلامي لأنه يمثل تهديدا لثقافة الغرب وكيانه.

 

جريدة المساء

Publié dans Actualité

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article