هاتف الحكومة

Publié le par فؤاد وجاني

بقلم : فؤاد وجاني

قديما قال بعض الحكماء العارفين بأحوال التناقض مع الذات : " الشبكة تَعَيَّبُ الغربال "  على الرغم من أن كليهما مثقوبان . هذا هو زمن الرويبضة والغرابيل . حكومتان لم تصمتا زمنا طويلا فلفظتا كفرا عظيما . نطقتا وليتهما مافعلتا فعن تفاهتيهما قد أبانتا: الأولى إماراتية منعت استعمال الهاتف الغبي "بلاك بيري" ، والثانية أمريكية عيبتها باسم حرية التعبير )لنضحك قليلا الآن (.  

ياللهول يا أبا الهول ! أيحق لشرطي دولي قدماه مغموستان حتى الرقبة في جرائم أفغانستان والعراق  التحدث عن الحرية وعن التعبير ؟ ذلك الغول الذي يتجسس على هواتف عباد الله أطراف النهار ، ويشك في مخداتهم المفخخة بالشخير أناء الليل ، ويفلي رسائل بريدهم فليا باحثا عن قملة إرهابية إلكترونية متنكرة ، ويعلم متى يستيقظون وعدد الركعات التي يصلونها بعد وضوء أو تيمم ، ويزرع في مساجدهم العيون الجاحظة الناقلة للخبر في لمح البصر ، بل يعد عليهم شعيرات لحيهم وزغيبات شواربهم ، ويقلع ملابسهم ويشم جواربهم ويكشف عوراتهم في كاشفات المطارات ، وينشر السجون السرية ماوراء بحر الظلمات وقبلها وتحتها ، ويعتقلهم إن هم بعثوا بكيس أرز إلى إخوانهم في غزة بحجة الإرهاب ، ويطرد بعض الصحافيين من البيت الأبيض لقولهم الحق يعلو ولايعلى على الحق ، ثم فوق كل هذا وذاك ينصب الشرطي الدولي نفسه إماما لحرية التعبير التي لم يبق منها سوى تمثال أبكم أصم  نحتته وشحنته وأهدته فرنسا مانعة الحجاب  )لنضحك الآن أكثر (.

إنه أمر مضحك ومبك في آن واحد أن تشاهد أولئك وهؤلاء وهم يتحدثون عن الحرية بينما حية يئدونها وأداً .  

الإمارات قالت إنها ستلغي خدمات هاتف "بلاك بيري" كالرسائل الفورية والبريد الإلكتروني ومتصفح الإنترنت لأن " بعض خدمات "بلاك بيري" تسمح للمستخدمين التواصل دون أدنى متابعة قانونية ، مما قد يتسبب في مشاكل قضائية وأمنية واجتماعية ووطنية" ، حسب بيان لهيئة تنظيم الاتصالات بالإمارات .

ماشاء الله على المتابعة القانونية التي اختفت فجأة حين برأت المحكمة الإماراتية عيسى بن زايد الذي تفنن في تعذيب رجل أفغاني لاحول له ولاقوة ! واستثنته من عقاب القانون لأنه أمير ابن أمير حفيد أمير قادر على الفتك بعباد الله الضعفاء دون عقاب وهتك أعراضهم دون حساب ، وأصدرت أوامرها العادلة بأن  الأمير مسكين ضحية مؤامرة ابتزاز وتخدير ولم يك مسؤولا عن أفعاله . وصدقنا المحكمة وكذبنا أمات أعيننا التي شاهدت شريط التعذيب ! ثم لتنسينا ظلمها ضحكت الحكومة الإماراتية على أذقاننا باللعب على أوتار غزة وكشفها الإعلامي السباق العظيم لاغتيال المبحوح !  

السعودية أيضا قد لحقت بركب تأميم الهاتف لأن الهاتف الغبي المدعو "بلاك بيري" أداة من أدوات الشيطان المارد الرجيم قد خرجت عن سيطرة ورقابة هذه الحكومات العادلة باتخاذها خادما (سيرفر) في كندا تتسلى به أعين الحكومة الأمريكية وحدها دون الإماراتية والسعودية ، فغيرة الإستبداد  بين الحكومات أشد وطأة وأوجع مضاضة من غيرة النسوان .

أوباما يستخدم "بلاك بيري" ، وضمانا لسرية المعلومات فإن المخابرات الأمريكية الذكية تراقب أجهزة الخادم الكندي ليل نهار حماية للسيد الرئيس طبعا ، ويكون لها السبق في التجسس (حماية الأمن القومي) على المستخدمين في العالم كافة .

 إذا كانت الحكومات قد أممت الهاتف بعد تأميم العدالة والحرية والعقل والدين والحقيقة والماء والهواء والشبكة العنكبوتية ، فلتدفع فواتيره الشهرية نيابة عن "المواطن" (في القاموس الحكومي : المستأجر لبقعة في وطن يحسبها وطنه) ، على الأقل حينها سيكون من حقها أن تتدخل لتحدد للناس نوعية الهاتف الممكن استعماله  بدل أن تعطل مصالحهم .

أتساءل : لماذا لاتضع الحكومات أجهزة مراقبة في أذن ولسان كل "مواطن" تملكه ، وتترك الهاتف وشأنه ، فقد يخترعون مستقبلا شيئا أكثر تطورا من الهاتف الغبي ؟ أليس المواطن في زماننا برمته ملكا للحكومة ؟

 

Publié dans Actualité

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article